هل الأزمات حافز للابتكار؟

في ظل ما يمر به العالم في الفترة الاخيرة من أزمات مختلفة من اوبئة وحروب وصراعات وتغير في المناخ، اصبح دافع الابتكار مرتبط ارتباط قوي بالاساسيات لضمان البقاء والاستمرارية للأنسان بشكل عام لمقاومة هذه الازمات والتي شكلت مخاطر وتحديات على الدول كافة بغض النظر عن حجمها او قوة اقتصادها.

ففي اقل من عامين، حصلت ازمتين غيرت من ملامح واوليات الكثير من القطاعات من صحة وصناعة وطيران وسياحة وسلاسل التوريد والتبادل التجاري بين الدول، كانت هاتين الازمتان هما وباء كورونا والحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا. ولكن بمراجعة التاريخ، فا على مدى العصور المختلفة، كانت الازمات هي الدافع الاساسي للابتكار والاختراعات المختلفة للتصدي على هذه الازمات اذا كانت كوارث طبيعية او كوارث متسبب فيها الانسان من خلال الحروب المختلفة. وفي كلا الحالات دفعت هذه الكوارث العديد من الابتكارات التي مازالت قائمة حتى عصرنا هذا ومازال تأثيرها ايضا قائم.

ولكن قبل الخوض في الابتكارات والاختراعات التي تسببت الأزمات في خلقها، يجب ان نحدد معنـى الابتكار وما هي مسبباته.

قامت هارفرد بيزنيس رفيو بتعريف الابتكار على انه:

عملية خلق قيمة من خلال تطبيق حلول جديدة لمشاكل ذات معنى. غالباً ما يُنظر إلى الابتكار على أنه تطبيق لحلول أفضل تفي بالمتطلبات الجديدة أو الحاجات الحالية للسوق والأفراد، ويتم الابتكار من خلال توفير منتجات وعمليات وخدمات وتقنيات أو نماذج أعمال جديدة وأكثر فعالية.

فالابتكار يعد وسيلة لإيجاد حلول او اضافات جديدة للتحديات التي نواجهها، او التنبؤ بتحديات جديدة قد تواجه العالم او المؤسسة ولكنها لا تشكل خطر حالي. كما ان الابتكار ليس مقتصر على استخدام تكنولوجيات حديثة معقدة لتعرف انها ابتكار، ولكن تبسيط عمليات او تقديم خدمة معتادة بأسلوب جديد ومميز يعد ابتكارًا. فعلى سبيل المثال كان استخدام الفأس للزراعة ابتكارا لانه سهل وبسط عملية الزراعة في بدايتها، ومع التطور بدأ وجود العديد من الابتكارات الزراعية والتي تعمل بشكل تلقائي لتنبيه المزارع والري عند الحاجة والتنبؤ بالامراض وغيرها.

ما هي دوافع الابتكار؟

هناك دافعان رئيسيان لأي عملية ابتكار، وهما الدفع التكنولوجي او الطلب السوقي، على سبيل المثال مع ابتكار الشاشات المسية للهواتف المحمولة لم يكن هناك اي طلب من السوق لهذا النوع من الابتكار، حتى قامت شركة أبل تنفيذ هاتف ذكي يعتمد كليا على الشاشات الملموسة للتحكم في الهاتف، مع انها لم تكن الاولى في دفع هذه التكنولوجيا ولكنها كانت ناجحة جدا فيه، مما ادى الى زيادة حجم الطلب على هواتف لديها نفس الامكانيات وجاء من هذا المنطلق الطلب السوقي لهواتف ذكية باسعار معقولة في متناول المستخدم العادي. وبدأت الشركات بما فيهم شركة أبل من ادخال تحديثات وابتكارات مختلفة لتنافس المصنعين الاخرين لتقدم انواع مختلفة من الهواتف والخدمات المرتبطة بها.

الدفع التكنولوجي والطلب السوقي

سنلاحظ ان نوعية الابتكارات من خلال الدفع التكنولوجي قليلة بحد ما مقارنة بالابتكارات المصحوبة بالطلب عليها، وذلك نتيجة لانها مكلفة ويكون هناك خطر محتمل في عدم نجاحها لخلق الوعى الكافي للمستخدمين حتى يتم تبنيها وانتشارها في شكل واسع. ولكن هذه النوعية من الابتكارات هي التي تغيير المستقبل بشكل جزري وتغير من انماط الصناعات والمنافسة ووضع اول مستخدميها في تصنيف مختلف تماما. على سبيل المثال، صناعة السيارات لم تشهد ابتكارات جزرية خلال عقود من الزمن، حتى قامت شركة تسلا بتصنيع اول سيارة كهربائة كمنتج اساسي للشركة مما وضعها في مرتبة افضل الشركات في صناعة السيارات الكهربائية واعلاهم قيمة سوقية.

ما علاقة الابتكارات بالازمات والكوارث؟

في جميع اوقات الازمات وان كانت محلية، اقليمية، او عالمية تدفع الازمات الحكومات والشعوب لابتكار حلول غير تقليدية للتصدي للازمات، والتي يمكن لبعضها ان يكون تطبيقه مقتصر في وقت الازمة والبعض الاخر ممتد لبعد مرور الازمات. وتؤدي الازمات لتغيير في سياسات وقوانين وطرق جديدة للعمل وتوجهات جديدة للاستهلاك وجميعها جزء من الابتكارات للتغلب على التحديات.

على سبيل المثال، كارثة ١١ سبتمبر وتدمير ابراج التجارة العالمية بالولايات المتحدة الاميركية ادى لوضع سياسات جديدة في تأمين خطوط الطيران وحركتها وانظمة جديدة للتنبؤ بأي خطر امنى وتم توسيع الاستخدام في اغلب الدول.

كانت للحرب العالمية الثانية تأثير قوي في بداية عمل المرأة والإعتماد عليها حيث كان معظم الرجال مجندون في الحرب، بدأت المصانع في طلب المرأة في العمل بديلا عن الرجل، وأثبتت كفائتها مما أدي الي اسلوب جديد في العمل وفي مجالات كانت مقتصرة على الرجال وتم ايضا توسيع وانتشار هذا الاستخدام في جميع الدول حتى اصبح لا يوجد مجالات الا وترى المرأة تعمل فيها بكفاءة.

وتوالت ازمات الأوبئة على مر الزمان، ففي عام ٢٠٠٢ وانتشار مرض متلازمة التنفس الحاد والمعروف بالسارس وزاد الطلب على استخدام التجارة الالكترونية بشكل حاد مما عزز تبني التسوق عبر الانترنت، وما وجود وباء كورونا اصبح الوصول للمنتجات الاساسية يتم بشكل الكتروني في الاساس، وكان الانتقال لهذه المرحلة يعد سهلا نوعا ما نتيجة لوجود الالية والانتشار لها مقارنة بوقت انتشار مرض السارس. واصبح الان التوجه العام في الحكومات هو تقديم خدماتها بشكل رقمي لمواكبة هذا التغيير والطلب عليه.

ومثال اخر للكوارث الطبيعية، كان لعاصفة تسونامي على المحيط الهندي في عام ٢٠٠٤ تأثير قوي على وضع سياسات جديدة بين الدول المتأثرة وابتكار انظمة استشعار للتنبؤ بالزلازل والعواصف والتحذير لاتخاذ الاجراءات اللازمة للسيطرة على الازمة وتقليل حجم الخسائر.

وخلال العامين الماضيين شهدنا سياسات وابتكارات مختلفة في مجالات عديدة للتصدي لوباء كورونا مما ادي ايضا لخلق توجهات جديدة للعمل والاستهلاك والتعاون بين الدول. ومازلنا نكتشف تأثيرات الحرب بين روسيا واوكرانيا على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية.

وماذا بعد!!!

عندما نقارن حجم الابتكارات التي تمت خلال العصور السابقة والحالية، نجدها انها جاءت نتيجة لتحديات واقعية وطلب مجتمعي واستهلاكي لادارة هذه الازمات من منظور التغيير الشامل المؤثر، في جميها ابتكارات لضمان استمرارية البقاء وهو الدافع الاقوى والاولي تجاه اي ابتكار. ولكن هذه الابتكارات تكون نتيجة لاحداث وطلب حالي قصير المدي، ويكون دافع قوي للشركات للاستثمار لسهولة الحصول على العائد من الاستثمار في اقل وقت نتيجة للطلب المستمر وعدم اكتفاء السوق من الاستهلاك.

وتأثير الجزء السلبي له انه يدفع الشركات في اغلب الاحيان على التركيز بشكل اكبر على تحسين المنتجات والخدمات بشكل تدريجي وليس جزري. فنلاحظ على سبيل المثال المستهلكين بشكل عام متجهين نحو السلع المعتادة ولكن مع خدمة افضل او تحسينات جديدة، ويكون من السهل عليهم مقارنتها ومقارنة الوظائف والخصائص لهذه المنتجات. لكن في حالة وجود ابتكار لتحدي يمكن ان يكون غير معروف او مستقبلي ولا يمثل طلب سوقي يكون هناك صعوبة كبيرة في انتشاره.

على سبيل المثال مازال هناك تحديات في دفع بعض التكنولوجيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتوأم الرقمي والوقود الهيدروجيني وانترنت الاشياء وسلسة الكتل البوك شين وغيرها مع وجود العديد من التطبيقات الناجحة. ولكن ينظر المستهلكون لهذه التكنولوجيات على انها غير مضمون من ناحية العائد على الاستثمار، والمجهود المطلوب للحصول على نتائج مؤثرة او ان بعضها لا يقدم قيمة حقيقية قصيرة المدى وتكلفة الاستثمار فيها.

وأنصح الشركات او المؤسسات بالتوازن بين الدوافع في الابتكار لان سرعة الاستخدام والتطبيق لبعض التكنولوجيات يكون له تأثير ملحوظ وفعال في التنافسية ووضع الشركات في المقدمة، وجميعنا لدينا الامثلة من الشركات التي استغلت التكنولوجيات الحديثة المختلفة لتكون دائما في الصدارة مثل ابل وتسلا واوبر وغيرها الكثير، وايضا لدينا الامثلة من الشركات التي كان كل تركيزها على اضافة تطويرات وابتكارات تدريجية على منتجتها بدون الاستثمار في ابتكارات جديدة جزرية مثل كوداك، نوكيا، وغيرها. وليس التوازن بتجربة كل جديد لكن اختيار ما هو ملائم ومفيد للمستقبل وليس للحاضر فقط.

فليس دائما المنطق الانتظار للأزمات واستغلال الفرص للاستحواذ على جزء من طلبات السوق او الانتظار لأول منفذ للفكرة لإعادة تنفيذها، لماذا لا نكون اول من يجرب شيئا جديدا ونكون دافع له وليس فقط مستهلكين للأفكار والتكنولوجيات والتطبيق. وهذا لن يتم بدون التفكير بطرق مختلفة والتفكير في صناديق جديدة وليس خارج الصندوق فقط.


Also published on Medium.

Summary
هل الأزمات حافز للابتكار؟
Article Name
هل الأزمات حافز للابتكار؟
Description
نعم الازمات تحفز الابتكار بشكل فعال، ولكن، فليس دائما المنطق الانتظار للأزمات واستغلال الفرص للاستحواذ على جزء من طلبات السوق او الانتظار لأول منفذ للفكرة لإعادة تنفيذها، لماذا لا نكون اول من يجرب شيئا جديدا ونكون دافع له وليس فقط مستهلكين للأفكار والتكنولوجيات والتطبيق. وهذا لن يتم بدون التفكير بطرق مختلفة والتفكير في صناديق جديدة وليس خارج الصندوق فقط.
Author
Publisher Name
melsatar.blog
Publisher Logo

شارك رأيك